في عز البرد.. مولودة عمرها ثلاثة أيام أو أربعة علي الأكثر.. ألقيت بجانب رصيف في
قلب مدينة ' يوهان' جنوب الصين. بدا الجسد الرهيف أو ' كومة اللحم' وكأنه جزء من
قمامة الشارع.. مر به راكبو الدراجات والمشاه والباعة المتجولون ولم تنل الجثة سوي
نظرة عابرة وبعدها مضي كل في طريقه والطفلة المسكينة في مكانها لا أحد يعرف إذا
كانت حية أو ميتة ولا من تكون ولا من أين جاءت، ولا لمن تنتمي. و لكن ربما لو عرف
السبب بطل العجب أمام هذا الموقف اللا إنساني وإن كان يبدو من المواقف التي اعتاد
الأهالي التعايش عليها. إن تعداد الصين يزيد علي مليار و200 ألف نسمة وكان لابد من
وقف الطوفان البشري وهذا ما دعا الدولة في عام 1979 إلي اصدار قانون يلزم كل زوجين
صينيين بانجاب طفل واحد فقط حتي أصبحت الصين تعرف بأنها بلاد الطفل الأوحد.
واطمأنت الحكومة وبدأت إعلانات أخري تأخذ مكان إعلانات تنظيم الأسرة. وفرض القانون علي 60 مليون امرأة في سن الإنجاب. ومنذ هذا التاريخ والمواليد الذكور هم فقط المرغوب فيهم خاصة بين طبقة الفلاحين في القري الذين يرون في 'الولد' عزوة لهم في سن الشيخوخة وهذا ما يفسر موت العديد من المواليد الأناث في القري أيضا. وتشير الأرقام إلي فقد 500 ألف مولودة خلال عشر سنوات فاضطرت الدولة إلي السماح للمزارعين بإنجاب أكثر من طفل.. ومع ذلك لا تزال البنت معرضة لخطر الموت في الصين ونحن في الألفية الثالثة. و أحدث الضحايا كانت هذه الطفلة الوليدة ولا أحد يعلم عدد الأطفال الذين يلقون نفس المصير. و من المرجح أن الصين تستقبل سنويا 9 ملايين مولود خارج 'الحصة' المسموح بها لأن أي مواطن يقر بأنه خالف القانون يحرم من مزايا عديدة منها السكن الاجتماعي، حضانة الأطفال، المعونة الاجتماعية وحصة الأسرة في التموين الغذائي. إن ما يقرب من نصف الأطفال الأشباح يعيشون بلا هوية مدنية وقليل جدا منهم يمكن أن يعيشوا ويكبروا مع أولياء أمورهم بفضل ' جوازات مرور' أما الذين يفلتون من تجار الأطفال فإنهم يعيشون تائهين وسط طوفان من البشر تعدادهم مائة مليون من المزارعين النازحين للحياة في المدينة حيث يتحولون إلي متسولين.
بعد هذا الواقع.. من يهتم بمولود يحتضر في عز البرد وفي عرض الطريق..؟
* كانت السابعة صباحا ودرجة الحرارة 4 درجات مئوية.. عندما هبطت فتاة شابة ( 25 سنة) من الأتوبيس لتستقل سيارة نقل أخري ألي مقر عملها في أحد معامل الأدوية.. وقع نظرها علي الجسد الملقي بجوار الرصيف فاندفعت نحو الجثة الراقدة بلا حراك.وجدت الجثة باردة والقلب لا ينبض ولكن الجسد لا يزال لينا.وقدرت الفتاة أن الجسد ملقي من حوالي ساعة وإلا لكان تغير لونه. ومن شكل عقدة الحبل السري قدرت أن العمر يتراوح بين ثلاثة أو أربعة أيام علي الأكثر وأثار دماء لا تزال عالقة بالبطن والأنف مما يشير إلي احتمال وفاة المولودة من نزيف داخلي والبرد القارس أيضا. هرعت الشابة إلي دكان علي الناحية الأخري للاتصال بالشرطة واخبروها أنهم سيصلون خلال ربع ساعة. ولم تشأ تحريك جثة المولودة ليظل الموقف علي ما هو عليه أمام المسئولين.
وتأخر وصولهم وكل 20 دقيقة تعاود الفتاة الاتصال. وفي النهاية رفض صاحب الدكان أن تستمر في الاتصال من عنده بعد أن عرف الموضوع بل رفض مساعدتها حتي في تغطية الجثة. تنبهت الفتاة أنها تحمل كاميرا في حقيبة يدها وأربعة أفلام خام فهي تهوي تصوير المناظر الطبيعية والشخصيات. وبدأت التقاط الصور للجثة والدموع تملأ عينيها وتتساءل كيف هان علي الجميع عدم الالتفات لهذه الجثة والمرور أمامها بدون أي مشاعر شفقة أو رحمة وبصورها سجلت بشاعة الإنسان تجاه أخيه الإنسان. انتهت المصورة الهاوية من تصوير فيلم وبدأت في الثاني. وأثناء انهماكها في التقاط الصور مر رجل عجوز علي دراجته فتوقف وحمل الجثة في علبة من الكرتون علي دراجته. حاولت الفتاة منعه وهي تصرخ فيه إن ما يفعله ليس من حقه ويجب انتظار وصول رجال الشرطة وحاولت الفتاة ايقافه ولكنه لم ينصت لها ومع ذلك استطاعت تصويره. و في هذه اللحظة بالذات وبعد مضي ثلاث ساعات ونصف وصل رجال الشرطة والقوا القبض عليها وانهالوا عليها بالأسئلة لماذا هي هنا من أين جاءت ولماذا تلتقط الصور. حاولت الفتاة تفسير الموقف و لكنهم انتزعوا الفيلم من الكاميرا بزعم أنه ليس من حقها التصوير كيفما شاءت. و من حسن حظها أنهم لم يمسوا حقيبة يدها. و اقتيدت الفتاة إلي قسم الشرطة وبعد استجوابات استمرت ساعة أطلق سراحها و40 لقطة فوتوغرافية راقدة في قاع حقيبة يدها. وعادت إلي مكان الجريمة وتحرت من جميع القائمين في الشارع وعرفت منهم إن التخلي عن الأطفال من المواقف العادية جدا في هذه المنطقة الفقيرة جداً حيث يعتبر كل فم جديد عبئا علي الأسرة. و بعد تحميض الأفلام وضحت بشاعة الموقف وفكرت في نشر الصور في انحاء العالم علي شبكات الانترنت ولكن اصدقاءها نصحوها بالعدول عن هذه الفكرة تجنبا لمتاعب كثيرة. وفي منتصف شهر فبراير الماضي عرضت الصور علي صديق مصور وقرر الإثنان معا نشرها في الوكالة التي يعمل بها المصور. إن الفتاة تدرك خطورة الموقف الذي أقدمت عليه ولكنها غير نادمة حتي مع علمها أنه يمكن أن تؤدي بها شجاعتها إلي السجن لأنها تجرأت علي 'تعرية ما يجب ألا يكشف أبدا' ولكنها مقتنعة في قرارة نفسها بأن في العالم ما هو إيجابي وما هو سلبي وأرادت بالصور أن تظهر الجانب المظلم. لقد وصلت بتحرياتها إلي حقيقة تختلف عن رؤية المسئولين أنه بالنسبة لكثير من العائلات في المحافظات الفقيرة مثل 'هونان' فكرة تواصل الأجيال ضرورية جدا. إن النسل هو ثروتهم الوحيدة وسياسة تحديد الإنجاب في الصين بطفل واحد تحرمهم من احتمال انجاب الولد. و مع وجود الاستثناء بأنه إذا جاء المولود الأول بنتا يسمح بطفل ثان. و لكن إذا جاء الطفل الثاني بنتا تكون الكارثة إذ ستحرم الأسرة نهائيا من تواصل ' اسم' العائلة. وهذا هو تفسير وجود الجثة علي الطريق.. أن تهمة أو جريمة صاحبتها أنها جاءت بنتا .
واطمأنت الحكومة وبدأت إعلانات أخري تأخذ مكان إعلانات تنظيم الأسرة. وفرض القانون علي 60 مليون امرأة في سن الإنجاب. ومنذ هذا التاريخ والمواليد الذكور هم فقط المرغوب فيهم خاصة بين طبقة الفلاحين في القري الذين يرون في 'الولد' عزوة لهم في سن الشيخوخة وهذا ما يفسر موت العديد من المواليد الأناث في القري أيضا. وتشير الأرقام إلي فقد 500 ألف مولودة خلال عشر سنوات فاضطرت الدولة إلي السماح للمزارعين بإنجاب أكثر من طفل.. ومع ذلك لا تزال البنت معرضة لخطر الموت في الصين ونحن في الألفية الثالثة. و أحدث الضحايا كانت هذه الطفلة الوليدة ولا أحد يعلم عدد الأطفال الذين يلقون نفس المصير. و من المرجح أن الصين تستقبل سنويا 9 ملايين مولود خارج 'الحصة' المسموح بها لأن أي مواطن يقر بأنه خالف القانون يحرم من مزايا عديدة منها السكن الاجتماعي، حضانة الأطفال، المعونة الاجتماعية وحصة الأسرة في التموين الغذائي. إن ما يقرب من نصف الأطفال الأشباح يعيشون بلا هوية مدنية وقليل جدا منهم يمكن أن يعيشوا ويكبروا مع أولياء أمورهم بفضل ' جوازات مرور' أما الذين يفلتون من تجار الأطفال فإنهم يعيشون تائهين وسط طوفان من البشر تعدادهم مائة مليون من المزارعين النازحين للحياة في المدينة حيث يتحولون إلي متسولين.
بعد هذا الواقع.. من يهتم بمولود يحتضر في عز البرد وفي عرض الطريق..؟
* كانت السابعة صباحا ودرجة الحرارة 4 درجات مئوية.. عندما هبطت فتاة شابة ( 25 سنة) من الأتوبيس لتستقل سيارة نقل أخري ألي مقر عملها في أحد معامل الأدوية.. وقع نظرها علي الجسد الملقي بجوار الرصيف فاندفعت نحو الجثة الراقدة بلا حراك.وجدت الجثة باردة والقلب لا ينبض ولكن الجسد لا يزال لينا.وقدرت الفتاة أن الجسد ملقي من حوالي ساعة وإلا لكان تغير لونه. ومن شكل عقدة الحبل السري قدرت أن العمر يتراوح بين ثلاثة أو أربعة أيام علي الأكثر وأثار دماء لا تزال عالقة بالبطن والأنف مما يشير إلي احتمال وفاة المولودة من نزيف داخلي والبرد القارس أيضا. هرعت الشابة إلي دكان علي الناحية الأخري للاتصال بالشرطة واخبروها أنهم سيصلون خلال ربع ساعة. ولم تشأ تحريك جثة المولودة ليظل الموقف علي ما هو عليه أمام المسئولين.
وتأخر وصولهم وكل 20 دقيقة تعاود الفتاة الاتصال. وفي النهاية رفض صاحب الدكان أن تستمر في الاتصال من عنده بعد أن عرف الموضوع بل رفض مساعدتها حتي في تغطية الجثة. تنبهت الفتاة أنها تحمل كاميرا في حقيبة يدها وأربعة أفلام خام فهي تهوي تصوير المناظر الطبيعية والشخصيات. وبدأت التقاط الصور للجثة والدموع تملأ عينيها وتتساءل كيف هان علي الجميع عدم الالتفات لهذه الجثة والمرور أمامها بدون أي مشاعر شفقة أو رحمة وبصورها سجلت بشاعة الإنسان تجاه أخيه الإنسان. انتهت المصورة الهاوية من تصوير فيلم وبدأت في الثاني. وأثناء انهماكها في التقاط الصور مر رجل عجوز علي دراجته فتوقف وحمل الجثة في علبة من الكرتون علي دراجته. حاولت الفتاة منعه وهي تصرخ فيه إن ما يفعله ليس من حقه ويجب انتظار وصول رجال الشرطة وحاولت الفتاة ايقافه ولكنه لم ينصت لها ومع ذلك استطاعت تصويره. و في هذه اللحظة بالذات وبعد مضي ثلاث ساعات ونصف وصل رجال الشرطة والقوا القبض عليها وانهالوا عليها بالأسئلة لماذا هي هنا من أين جاءت ولماذا تلتقط الصور. حاولت الفتاة تفسير الموقف و لكنهم انتزعوا الفيلم من الكاميرا بزعم أنه ليس من حقها التصوير كيفما شاءت. و من حسن حظها أنهم لم يمسوا حقيبة يدها. و اقتيدت الفتاة إلي قسم الشرطة وبعد استجوابات استمرت ساعة أطلق سراحها و40 لقطة فوتوغرافية راقدة في قاع حقيبة يدها. وعادت إلي مكان الجريمة وتحرت من جميع القائمين في الشارع وعرفت منهم إن التخلي عن الأطفال من المواقف العادية جدا في هذه المنطقة الفقيرة جداً حيث يعتبر كل فم جديد عبئا علي الأسرة. و بعد تحميض الأفلام وضحت بشاعة الموقف وفكرت في نشر الصور في انحاء العالم علي شبكات الانترنت ولكن اصدقاءها نصحوها بالعدول عن هذه الفكرة تجنبا لمتاعب كثيرة. وفي منتصف شهر فبراير الماضي عرضت الصور علي صديق مصور وقرر الإثنان معا نشرها في الوكالة التي يعمل بها المصور. إن الفتاة تدرك خطورة الموقف الذي أقدمت عليه ولكنها غير نادمة حتي مع علمها أنه يمكن أن تؤدي بها شجاعتها إلي السجن لأنها تجرأت علي 'تعرية ما يجب ألا يكشف أبدا' ولكنها مقتنعة في قرارة نفسها بأن في العالم ما هو إيجابي وما هو سلبي وأرادت بالصور أن تظهر الجانب المظلم. لقد وصلت بتحرياتها إلي حقيقة تختلف عن رؤية المسئولين أنه بالنسبة لكثير من العائلات في المحافظات الفقيرة مثل 'هونان' فكرة تواصل الأجيال ضرورية جدا. إن النسل هو ثروتهم الوحيدة وسياسة تحديد الإنجاب في الصين بطفل واحد تحرمهم من احتمال انجاب الولد. و مع وجود الاستثناء بأنه إذا جاء المولود الأول بنتا يسمح بطفل ثان. و لكن إذا جاء الطفل الثاني بنتا تكون الكارثة إذ ستحرم الأسرة نهائيا من تواصل ' اسم' العائلة. وهذا هو تفسير وجود الجثة علي الطريق.. أن تهمة أو جريمة صاحبتها أنها جاءت بنتا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق